أُماه ! .....

في أحضانِكِ كانت البراءةُ...

في معيتكِ كانت الصُحبةُ الحانيةُ والرفقةُ الدافئة...

في محرابكِ تعلمتُ كيف أرتلُ ترانيمَ التسامي وأقرأُ سِفرَ الوفاءِ...

في غضبكِ أدركتُ كيف تتدفقُ براكينُ الحكمةِ وتُضىءُ شُهبُ الذكاء...

في صمتكِ تعلمتُ أبلغَ المعاني... وهكذا صمتكِ دوماً مفعماً...

 

ذكرياتٌ تتزاحم .. تاريخ مُمتد ومُتصل .. جهاد .. مدارات .. نجاحات .. صفحات .. رحلة مفعمة بالأتراح والأفراح ..

كتاب تقرأ بين سطوره أكثر مما تقرأ بين ثنايا صفحاتهِ .. في كلِ زيارةٍ أُطالعُ الوجه الباسم ..

أقبّل اليدين وأطبع الثالثة على جبينِ جسدٍ واهنٍ قصمته سنوات الصمت .. وأثقله زمان الوهن ..

فسقط اسمه سهواً من قائمة أقربائه كشأن كثيرٍ من الأنقياء والأوفياء في زمن الجحود والنكران...

وبعثت تعتب يا أبي...! وغضبت مني بعدما تاهت خطاي..
عن الحسين ..
أنا يا أبي في الدرب مصلوب اليدين .. وزوابع الأيام تحملني ولا أدري .. لأين والناس تعبر فوق أشلائي .. ودمعي .. بين .. بين
وبعثت تعتب يا أبي ..
لِمَ لا تجئ لكي ترى .. كيف الضمير يموت في قلب الرجل؟ كيف الأمان يضيع أو يفنى الأمل؟
لِمَ لا تجئ لكي ترى .. أن الطريق يضيق حزناً بالبشر؟ أن الظلام اليوم يغتال القمر؟ أن الربيع يجئ من غير الزهر؟
لِمَ لا تجئ لكي ترى.. الأرض تأكل زرعها؟ والأم تقتل طفلها؟
أترى تصدّق يا أبي .. أن السماء الآن.. تذبح بدرها؟! والأرض يا أبتاه .. تأكل نفسها ..

أيادى ممتدة .. شهيق يلحقه زفير .. عيون شاخصة .. أنفاس متقطعة ...

أماني تتراءى .. أحلام أمام المرمى .. طموحات لا يحدها عنان السماء ..

ماضي لصيق بحاضر .. وينازع المستقبل .. ولم يبقَ سوى باب الرجاء ...

 

انطلق الركب... من الجزيرة العربية... إلى وسط أوروبا... في رحلة مفعمة بالتفاؤل... نبيلة الغايات... سامية الأهداف...
مدعاة للمسرات... وحديث النفس للنفس لدى الركب:
أخيراً سوف ننعم بالراحة... أخيراً سوف نحصل على نصيب عادل بعد عذابات وآهات العمل اليومي...
لا وجوه عابسة.. لا اجتماعات... لا بريد إلكتروني يحمل بين طياته مزيداً من الأعباء...
لا تسعير ولا تسويق ولا بيع لا متابعة مشاريع ولا خطط تشغيلية وتنفيذية...
كفانا... نحتاج إلى هدنة... هدنة من حزب أعداء النجاح... وهدنة من حياة طاحنة تطحننا برحاها...
هدنة من الأوجاع الإدارية والعلل الإشرافية والأسقام القيادية ...
هدنة مع الذات وإستراحة محارب في حوزة صناعة الذهب الأسود...

نُولدُ في رحم البراءة .. نرتشفُ رشفاتِ السعادةِ في المهد ..
ولا ندري ماذا ينتظرُنا في مسيرتنا حتى اللحد !
نعيشُ بين نسائم المحبة وترانيم المودة وبساتين الرياحين ..
نجتاز زمن الشدة .. ومع كل شدة كان النصرُ حليفنا والتألقُ شريكنا ..
تمضي المسيرة بكل فصولها.. فيتصارع الحلو مع المر والفرح مع الترح ..
يضيق بنا ذرعاً رَحِمُ البراءة ويلفِظُنا مُعلناً حلول زمن التجربة .. لا محيص !

 

أين أنت يا بودي..؟
أبحث في جنبات غرفتي، أتحسس خدي، أترقب الصباح أبحث عنك في كل مكان..
أين أنت يا بودي؟
ليت يدك الحانية لا تبارحني فلكم تألمت وتأوّهت من سياطها وعذاباتها ولكم كنت جاحداً لا أدري قيمتها..
لم يعد للإصباح طعم ولا لون.. وكيف يكون الإصباح إصباحاً وأنا لا أسعد بلقياكم وقد نمت بعد طول عناء وجهاد..
وصحوت صحو الفرسان لتبدأ يومك من جديد بدءاً من ميدان غرفة النوم، مروراً بشارع صلاح سالم والوقوف سويعات في المطبخ لالتقاط ما تقع عليه يدك الحانية
ثم الحضور مبكراً و بلا إشارات أو علامات إلى الساحة العمادية في الغرفة الخارجية حيث الجلسة الأبدية وتبدأ يومك بالركل والابتسام ..

أأعيشُ مُتنقلاً مُرتحلاً بين خُطوبٍ و دُروب ؟!
أيمضي قطارُ العُمرِ من حُدودٍ لِحُدود ؟!
أهي غربةٌ تنادي أم قدرٌ مكتوب ؟!
أهي سفينةُ حياتي وقد أضنتها المواني والخطوب
أم أنها غُرباتٌ، وآهاتٌ، وانكساراتٌ تجتاحُني بقسوةٍ وجُموح ؟!
يا رُبان سفينتي! هل لي من سؤال ؟!
هل أنا أسيرك للأبد ؟!
هل أنا رهن مِقودك للأبد ؟!

أحضانٌ دافئة ... أنفاسٌ ساخنة ... مدامعٌ تتلاقى ...
عناقٌ حار ... عتابٌ صامت ... قلبٌ نابض ...
جراحٌ أخشى أن لا تندمل ... وشروخٌ على جدرانِ قلبي الواهن ... لا شفاء ولا رجاءَ ...
مدينتي ... أأرحلُ عنكِ بلا وداعٍ ولا نحيب ؟!

أأرحلُ عنكِ هكذا ؟!

هذه لندن يا عزيزي … لله في خلائقه شؤون وللناس فيما يحبون ويهوون شؤون … لله دري يوم ترى الخلائق لاهثة حائرة واهنة ترهقها مطامح الحياة، يقطع أنفاسها الدرهم والدينار يأتون ويعدون بلا توقف…
آه ! لو كابدتم تلك الدودة العنقودية التي تسير تحت الأرض تشق بطن لندن لتنقل يومياً أكثر من خمسة ملايين من الأنفس، ...

TOP